Nour Rocks

تحت ضوء القمر (2).. جيمي فلويد هاسلبانك

من الذي لا يعرف بيليه؟ مارادونا؟ رونالدو؟ بيكهام؟ ميسي؟ كريستيانو رونالدو؟

نجوم الكرة المشاهير الذين حصدوا كل شيء، شهرة ونجومية وبطولات، كمن يسطع تحت ضوء الشمس اللامع، لهذا لن يكونوا هم من نتحدث عنهم خلال هذه السلسلة، بل سنتحدث عن لاعبين آخرين، ضوءهم أكثر خفوتًا كضوء القمر.

هادئ، جميل، ومليء بالرومانسية لكنه أقل لمعانًا، لا يهتدي به إلا العاشقين ولا يراه إلا المحبين.


“يا صاح، هل لعبت كرة القدم من قبل”؟

يسأل اللاعب السلوفيني الجديد القادم للاختبار هذا الأسمر الطويل ممشوق القامة الذي يرتدي طاقم الجهاز التدريبي لنوتنجهام فورست وتزين حافة قميصه الثلاثة الحروف الأولى من اسمه JFH.

يرد عليه الشاب الأسمر وهو يضحك ضحكة متوترة قليلًا: “لا، لم أمارس كرة القدم من قبل” ثم يلتفت عنه ويصمت شاردًا للحظات وترى في عينيه حزنًا خفيفًا تجاوزه بسرعة ليحتفظ بصورته الدائمة عبر تاريخه كمهاجم شرس وشخصية قوية صعبة المراس.

لاحقًا سيحكي هذا الموقف في لقاء تلفزيوني وهو يضحك نفس الضحكة المتوترة محاولًا إخفاء حقيقة ما شعر به في هذا الوقت، وسيخبر محاوره بلباقته المعهودة أنه يحب هذه اللحظات وأنه ليس من النوع الذي يشعر بالإهانة من هذه المواقف.

إنه المهاجم الأسمر الهولندي الأصل، أيقونة البلوز، وأحد أفضل مهاجمي الدوري الإنجليزي غير المشهورين: جيمي فلويد هاسلبانك.

هل تعرفه؟

يتبارى المشجعين دائمًا أيهم أعمق معرفة بالكرة الإنجليزية ويعيّرون المشجعين الجدد بكونهم “جيل الجزيرة الرياضية” الذي لم يشهد الحقبة الذهبية للكرة في التسعينات وبدايات الألفية.

لديك الآن كمشجع قديم فرصة لاختبار عشاق تشيلسي أبناء حقبة “مورينيو وإبراموفيتش” بسؤال سهل: “هل تعرف من هو جيمي فلويد هاسلبانك”؟

إذا لم تكن من مهووسي ما قبل قنوات بين سبورتس فربما لم تسمع بجيمي من قبل، المهاجم الفذ ذو الحظ العاثر، اللاعب الذي وقف دائمًا على أعتاب المجد دون أن يناله، لكن خلال رحلته مع الكرة استطاع أن يأسر قلوب محبي البلوز ويتحول دون قصد لإحدى أيقوناته الهامة خلال رحلته القصيرة مع الفريق بإحراز 87 هدفًا خلال 4 مواسم فقط قضاها مع النادي اللندني.

“لاعب لا يُصدَّق! يمتلك شراسة غير عادية أمام المرمى، إنه سمكة قرش مفترسة”!

كلاوديو رانييري متحدثُا عن هاسلبانك.

جيمي لا يستطيع التوقف عن تسجيل الأهداف، وكمهاجم صريح يبدو هذا مناسبًا للغاية، لكن الحظ أو القدر أو ربما سوء التقدير أحيانًا أوقفوا جيمي دائمًا على عتبة باب التاريخ.

البدايات

جاريل فلويد هاسلبانك، المولود في سورينام عام 1972 (كانت خاضعة للتاج الهولندي آنذاك) وبدأ مشواره الكروي كمهاجم في فرق محلية، ثم انضم إلى بوافيشتا البرتغالي بعد قصة طريفة يحكيها مدير النادي الذي كان يرغب في الحفاظ على سرية تعاقداته وأخبر الصحفيين: “لقد تعاقدنا مع مهاجم اسمه جيمي” ليلتصق الاسم به إلى الأبد، ويبدأ “جيمي” مشواره مع بوافيشتا بالفوز بكأس البرتغال، رغم أن الفريق أنهى موسمه في المركز السابع، ولكن هاسلبنك بدأ عادته التي لن تتوقف، وأنهى الموسم كثاني هدافي البطولة لتبدأ ملامح مهاجم عظيم في الظهور.

الرحلة الإنجليزية

في صيف 1997، استقدم ليدز يونايتد جيمي حيث بدأ موسمه بشكل ممتاز بإحراز هدف التعادل في أول مباراة له مع الفريق أمام الأرسنال

وأنهى موسمه الأول بـ 26 هدفًا في كل البطولات، وفي الموسم التالي سطع نجم جيمي ليصبح هداف الدوري بـ 18 هدفًا مناصفة مع مايكل اوين ودوايت يورك وأنهى ليدز البطولة في المركز الرابع وتأهل لدوري الأبطال، لكن ظلال الماضي الفقير ظلت تطارد اللاعب الأسمر مرة أخرى.

“ما يطلبه لا يستطيع أن يدفعه أي نادي إنجليزي ولا أظن أن أي شخص يملك هذه الأموال هنا (في انجلترا)”.

ديفيد اوليري مدرب ليدز بعد فشل النادي الانجليزي في تجديد تعاقد جيمي.

عانى جيمي من الفقر طويلًا، لذا فقد كان عنيفًا للغاية في أمور تعاقداته المالية وكانت طلباته دائمًا صعبة واشتهر طوال تاريخه بأنه “صعب المراس”، يتحدث جيمي ردًا على هذه الاتهامات:

“لم ألعب قط في الدوري الهولندي، وآخر نادي لعبت له اضطررت لتركه بعد أن أمضيت عدة شهور دون أن أتقاضى راتبًا، واضطررت لأن أعيش على راتب أمي الضئيل وكنا 6 أخوة، لقد عانت كثيرًا من أجلنا وكانت تعمل في 3 وظائف مختلفة لإعالتنا وقد عاهدت نفسي أن أكسب ما يكفي من المال حتى لا تحتاج لأي شيء أبدًا ومازلت أحاول حتى الآن”.

انطلق بعدها لرحلة جديدة في العاصمة الإسبانية وانضم لأتليتكو مدريد حيث استمر في ممارسة هوايته في إحراز الأهداف الهامة، فأحرز ثنائية في مرمى ريال مدريد لينصر فريقه في الدربي على ملعب السانتياجو برنيابو لأول مرة منذ 9 سنوات، وأحرز هدف فريقه الوحيد في مرمى برشلونة في هزيمة الفريق 2-1، ورغم انتهاء الموسم بشكل سئ وهبوط الفريق كان جيمي ثاني هدافي الدوري بفارق 3 أهداف فقط كما أحرز هدف فريقه الوحيد في نهائي كأس إسبانيا رغم خسارتهم بثنائية أمام اسبانيول لتستمر مطاردة جيمي للبطولات دون أن يحرزها.

العودة لإنجلترا وميلاد أيقونة البلوز المتأخر

رحل جيمي إلى تشيلسي؛ أبرز محطاته على الإطلاق، وأحرز هدفًا في أولى مبارياته أمام مانشستر يونايتد ليساعد الفريق على حصد الكأس الخيرية على ملعب ويمبلي.

الأبيض والأسود

” / Ebony and ivory live together in perfect harmony

بول مكارتني وأغنية العاج والأبنوس الشهيرة (أبيض وأسود).

كان هذا عنوان الموسم الثاني الأسطوري لجيمي بكل تأكيد، فقد كان عام ولادة واحدة من أمتع وأقوى شراكات الدوري الإنجليزي الممتاز بين الهولندي الأسمر جيمي هاسلبانك والمهاجم الأيسلندي شديد البياض إيدور جيودجونسن.

أحرز الثنائي 52 هدفًا وأنهى جيمي هذا الموسم كثاني هدافي البطولة بفارق هدف وحيد عن تييري هنري.

وفي هذا الموسم أحرز هاسلبانك واحدًا من أشهر الهاتريك في تاريخ الكرة الإنجليزية أمام الغريم التقليدي توتنهام، هدفًا بقدمه اليمنى ثم آخر بكرة رأسية، وأنهاها بهدف بيسراه ليكمل ما أصبح شهيرا بـ “الهاتريك الكاملة” The perfect hattrick

كان جيمي يمتلك ترسانة هائلة من القدرات التهديفية، فلم يكن فقط يجيد اللعب بالقدمين بل كان يسدد بقوة أيضًا من خارج منطقة الجزاء باليمنى واليسرى، يلعب برأسه جيدًا ويجيد الكرات الثابتة! لم يكن هناك وسيلة لإيقاف الهولندي القوي من التسجيل.

الحظ العاثر مرة أخرى

ولكن على أعتاب المجد ينهار حظه ويصاب في نهاية الموسم ليبدأ موسمه الثالث خارج الخطوط، وكان رانييري قد أعاد تشكيل الفريق حول جيانفرانكو زولا مما جعل عودة جيمي لقيادة الهجوم أكثر صعوبة. وفي ميركاتو الشتاء أوشك التاريخ على فتح أبوابه باتفاق فان جال مدرب البارسا آنذاك على صفقة لاستقدامه ولكن انتهت المفاوضات بالفشل بعد إقالة المدرب الهولندي لسوء النتائج ويكمل جيمي موسمه مع الفريق ويحرز 15 هدفًا رغم قلة مشاركاته.

بداية النهاية

في موسمه الأخير مع البلوز وبعد استقدام مجموعة كبيرة من المهاجمين كادريان موتو وهرنان كرسبو مما جعل المنافسة أشد شراسة ولكن رغم ذلك استمر في القتال وأنهى الموسم بإحراز 18 هدفًا ليصبح هداف الفريق الأول للمرة الثالثة في 4 مواسم وينهي موسمًا هامًا للفريق بإحراز المركز الثاني ونصف نهائي دوري الأبطال.

وفي عيد ميلاده الـ 32، في المباراة التي سيعلم لاحقًا أنها الاخيرة له مع البلوز دخل جيمي فلويد هاسلبانك كبديل لجيريمي نجيتاب في الدقيقة 68 ليحرز الهاتريك الأخير مع البلوز ويعود بفريقه من الهزيمة لتحقيق فوز ساحق 5-2 على نادي وولفرهامبتون ويرحل بنهاية الموسم إلى ميدلزبرة في صفقة انتقال حر.

“كنت أتمنى أن العب مع مورينيو، إنه من هذا النوع من المدربين الذي يستطيع أن يجعلك 5% أفضل. مع مورينيو، ربما كنت سأصبح بطلًا للدوري الممتاز، ومن يدري كم بطولة أخرى! لم أفز ببطولات كثيرة في حياتي لذا أفكر دائمًا فيما كان يمكن أن يحدث. حادثته بعدها بشهور وأخبرني أنه كان يجب عليه الإبقاء علي ولو لموسم آخر، ولكن ما حدث قد حدث”.

كانت تلك أكثر اللحظات مرارة في فم جيمي، فقد طارد أحلامه مرة أخرى وخذلته.

المعركة الأخيرة والسقوط الأخير

رغم بلوغه الـ 32 كان جيمي مستعدًا لمعركة أخيرة، وتحت قيادة ستيف مكلارين ساعد البورو على تحقيق موسم أسطوري ليحصد الفريق أعلى مركز له في تاريخه (السابع) ويصبح (كالعادة) هداف الفريق بـ 13 هدفًا ويلعب في الموسم الذي يليه في كأس الأبطال UEFA cup ليقود الفريق لإنجاز آخر بالوصول للمباراة النهائية أمام إشبيلية الإسباني ليخسر البورو برباعية نظيفة.

يقول جيمي عن هذه البطولة:

“بعد مباراة ربع النهائي كنا نقول لأنفسنا: يا إلهي!، كيف تمكنا من الفوز 2-0 أمام بازل! هذا لا يصدق! لم نكن نحتفل بل كنا في حالة ذهول مما يمكننا فعله.

ثم أتت مباراة ستيوا بوخارست وخسرنا في الذهاب بهدف نظيف وفي مباراة العودة كنا متأخرين بهدفين نظيفين وانتفض الفريق لننهي المباراة بفوز 4-3، لقد كانت مباراة مجنونة، لم نكن نتخيل أن نجد أنفسنا في المباراة النهائية أبدًا”.

“في النهائي، كنا مرهقين، لم يكن أحد بحالته البدنية، كان إشبيلية الطرف الأفضل. ربما كانت لدينا فرصة لكن ما حدث قد حدث، لقد قدمنا بطولة رائعة”.

يلعب بعدها جيمي موسمان آخران في الدوري الإنجليزي مع تشارلتون وكارديف وينهي مشواره مع الكرة في 2008 منهكًا من العراك والركض لسنوات طويلة نحو مجد لم يتحقق.

على مدار تاريخه، كان معدل جيمي التهديفي دائمًا ما بين 18-25 هدفًا، وهو معدل كبير لأي مهاجم خاصة مع حفاظه على هذا المعدل حتى عمر الـ 33، ولكن لم يحظ جيمي بلحظات كثيرة من المجد كلاعب رغم مطاردته إياها طوال الوقت رغم استحقاقه هذا أكثر من لاعبين كثر. لم يفز جيمي في حياته بأي بطولة أوروبية أو بطولة دوري.

العودة لعالم الكرة

لم يستطع جيمي الابتعاد عن كرة القدم كثيرًا، وبدأ رحلة مطاردة المجد مرة أخرى ولكن هذه المرة من خارج الخط كمدرب، ويعمل حاليًا مديرًا فنيًا لكوين بارك رينجرز مطاردًا التأهل للبريميير ليج مرة أخرى بعد أن حقق مفاجآت رائعة مع فريقه السابق بورتون وقاد الفريق للقفز درجتين في موسمين متتاليين.

ونترككم مع تشكيلة رائعة من أجمل أهداف “جيمي”


نشر لأول مرة في يناير 2016 على منصة مصر العربية. المقال الأصلي

Nour Eldin

Add comment

Follow me

Don't be shy, get in touch. I love meeting interesting people and making new friends.